الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.التفسير المأثور: قال السيوطي:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16)}.أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن قتادة في قوله: {إذ انتبذت} أي انفردت {من أهلها مكانًا شرقيًا} قال: قبل المشرق شاسعًا متنحيًا.وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًا} قال: مكانًا أظلتها الشمس أن يراها أحد منهم.وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: إنما اتخذت النصارى المشرق قبلةً، لأن مريم اتخذت من أهلها مكانًا شرقيًا، فاتخذوا ميلاده قبلة، وإنما سجدت اليهود على حرف، حين نتق فوقهم الجبل، فجعلوا يتخوفون وهم ينظرون إليه، يتخوفون أن يقع عليهم، فسجدوا سجدة رضيها الله فاتخذوها سنة.وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال: إن أهل الكتاب، كتب عليهم الصلاة إلى البيت والحج إليه، وما صرفهم عنه إلا قول ربك: {فانتبذت من أهلها مكانًا شرقيًا} قال: خرجت منهم مكانًا شرقيًا، فصلوا قبل مطلع الشمس.وأخرج ابن عساكر من طريق داود بن أبي هند، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما بلغت مريم، فإذا هي في بيتها منفصلة، إذ دخل عليها رجل بغير إذن، فخشيت أن يكون دخل عليها ليغتالها فقالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا} قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيًا} قالت: {أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيًا} قال: {كذلك قال ربك} فجعل جبريل يردد ذلك عليها وتقول: {أنى يكون لي غلام} وتغفلها جبريل، فنفخ في جيب درعها، ونهض عنها، واستمر بها حملها، فقالت: إن خرجت نحو المغرب، فالقوم يصلون نحو المغرب، ولكن أخرج نحو المشرق، حيث لا يراني أحد، فخرجت نحو المشرق، فبينما هي تمشي، إذ جاءها المخاض، فنظرت هل تجد شيئًا تستتر به؟ فلم تر إلا جذع النخلة، فقال: أستتر بهذا الجذع من الناس. وكان تحت الجذع نهر يجري، فانضمت إلى النخلة، فلما وضعته، خر كل شيء يعبد من دون الله في مشارق الأرض ومغاربها ساجدًا لوجهه. وفزع إبليس، فخرج فصعد فلم ير شيئًا ينكره، وأتى المشرق فلم ير شيئًا ينكره، وجعل لا يصبر فأتى المغرب لينظر، فلم ير شيئًا ينكره. فبينا هو يطوف إذ مر بالنخلة، فإذا هو بامرأة معها غلام قد ولدته، وإذا بالملائكة قد أحدقوا بهَا، وبابنها وبالنخلة فقال: هاهنا حدث الأمر، فمال إليهم فقال: أي شيء هذا الذي حدث؟ فكلمته الملائكة فقالوا: نبي ولد بغير ذكر. قال: أما والله لأضِلَّنَ به أكثر العالمين. أضل اليهود فكفروا به، وأضل النصارى فقالوا: هو ابن الله. قال: وناداها ملك من تحتها {قد جعل ربك تحتك سريًا} قال إبليس: ما حملت أنثى إلا بعلمي، ولا وضعته إلا على كفي، ليس هذا الغلام! لم أعلم به حين حملته أمه، ولم أعلم به حين وضعته.وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات وابن عساكر من طريق السدي، عن أبي مالك، عن ابن عباس وعن مرة بن مسعود- رضي الله عنهما- قالا: خرجت مريم إلى جانب المحراب لحيض أصابها، فلما طهرت إذ هي برجل معها {فتمثل لها بشرًا} ففزعت، وقال: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا} فخرجت وعليها جلبابها فأخذ بكمها، فنفخ في جيب درعها،- وكان مشقوقًا من قدامها- فدخلت النفخة صدرها، فحملت فأتتها أختها امرأة زكريا ليلة تزورها، فلما فتحت لها الباب التزمتها، فقالت امرأة زكريا: يا مريم، أشعرت أني حبلى. قالت مريم: أشعرت أيضًا أني حبلى، فقالت امرأة زكريا: فإني وجدت ما في بطني يسجد للذي في بطنك. فذاك قوله: {مصدقًا بكلمة من الله} فولدت امرأة زكريا يحيى. ولما بلغ أن تضع مريم خرجت إلى جانب المحراب {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا} الآية {فناداها} جبريل {من تحتها ألاَّ تحزني} فلما ولدته ذهب الشيطان فأخبر بني إسرائيل: إن مريم ولدت، فلما أرادوها على الكلام، أشارت إلى عيسى فتكلم فقال: {إني عبد الله آتاني الكتاب} الآيات. فلما ولد لم يبق في الأرض صنم إلا خرَّ لوجهه.وأخرج إسحق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر، عن الضحاك رضي الله عنه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واذكر في الكتاب مريم} يقول: قص ذكرها على اليهود والنصارى ومشركي العرب {إذ انتبذت} يعني خرجت {من أهلها مكانًا شرقيًا} قال: كانت خرجت من بيت المقدس مما يلي المشرق {فاتخذت من دونهم حجابًا} وذلك أن الله لما أراد أن يبتدئها بالكرامة، ويبشرها بعيسى، وكانت قد اغتسلت من المحيض فتشرفت، وجعلت بينها وبين قومها {حجابًا} يعني جبلًا فكان الجبل بين مجلسها وبين بيت المقدس {فأرسلنا إليها روحنا} يعني جبريل {فتمثل لها بشرًا} في صورة الآدميين {سويًا} يعني معتدلًا شابًا أبيض الوجه جعدًا قططًا حين اخضر شاربه، فلما نظرت إليه قائمًا بين يديها {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا} وذلك أنها شبهته بشاب كان يراها ويمشي معها يقال له يوسف من بني إسرائيل، وكان من خدم بيت المقدس، فخافت أن يكون الشيطان قد استزله، فمن ثم قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا} يعني إن كنت تخاف الله. قال جبريل: وتبسم {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلامًا زكيًا} يعني لله مطيعًا من غير بشر. {قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر} يعني زوجًا {ولم أك بغيًا} أي مومسة.قال جبريل: {كذلك} يعني هكذا {قال ربك هو على هين} يعني خلقه من غير بشر. {ولنجعله آية للناس} يعني عبرة، والناس هنا للمؤمنين خاصة، ورحمة لمن صدق بأنه رسول الله. {وكان أمرًا مقضيًا} يعني كائنًا أن يكون من غير بشر. فدنا جبريل فنفخ في جيبها، فدخلت النفخة جوفها، فاحتملت كما تحمل النساء في الرحم والمشيمة، ووضعته كما تضع النساء، فأصابها العطش، فأجرى الله لها جدولًا من الأردن، فذلك قوله: {قد جعل ربك من تحتك سريًا} والسري، الجدول. وحمل الجذع من ساعته {رطبًا جنيًا} فناداها من تحتها جبريل {هزي إليك بجذع النخلة} لم يكن على رأسها سقف، وكانت قد يبست منذ دهر طويل، فأحياها الله لها وحملت، فذلك قوله: {تساقط عليك رطبًا جنيًا} يعني طريًا بغباره {فكلي} من الرطب {واشربي} من الجدول {وقري عينًا} بولدك. فقال: فكيف بي إذا سألوني من أين هذا؟.. قال لها جبريل: {فإما ترين} يعني فإذا رأيت {من البشر أحدًا} فأعنتك في أمرك {فقولي إني نذرت للرحمن صومًا} يعني صمتًا في أمر عيسى {فلن أكلم اليوم إنسيًا} في أمره. حتى يكون هو الذي يعبر عني وعن نفسه. قال: ففقدوا مريم من محرابها، فسألوا يوسف، فقال: لا علم لي بها، وأن مفتاح محرابها مع زكريا. فطلبوا زكريا وفتحوا الباب وليست فيه، فاتهموه فأخذوه ووبخوه، فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا، فخرجوا في طلبها، فسمعوا صوت عقيق في رأس الجذع الذي مريم من تحته، فانطلقوا إليه فذلك قول الله: {فأتت به قومها تحمله} قال ابن عباس: لما رأت بأن قومها قد أقبلوا إليها، احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به، فذلك قوله: {فأتت به قومها تحمله} أي لا تخاف ريبة ولا تهمة، فلما نظروا إليها شق أبوها مدرعته، وجعل التراب على رأسه، وإخوتها وآل زكريا {فقالوا يا مريم لقد جئت شيئًا فريًا} يعني عظيمًا {يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيًا} يعني زانية. فأنَّى أتيت هذا الأمر مع هذا الأخ الصالح والأب الصالح والأم الصالحة؟! {فأشارت إليه} تقول لهم: أن كلموه، فإنه سيخبركم {فإني نذرت للرحمن صومًا} أن لا أكلمكم في أمره، فإنه سيعبر عني، فيكون لكم آية وعبرة {قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيًا} يعني من هو في الخرق طفلًا لا ينطق، فأنطقه الله فعبر عن أمه، وكان عبرة لهم فقال: {إني عبد الله} فلما أن قالها، ابتدأ يحيى وهو ابن ثلاث سنين، فكان أول من صدق به فقال: إني أشهد أنك عبد الله ورسوله. لتصديق قول الله: {ومصدقًا بكلمة من الله} فقال عيسى: {آتاني الكتاب وجعلني نبيًا} إليكم {وجعلني مباركًا أينما كنت} قال ابن عباس- رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البركة التي جعلها الله لعيسى، أنه كان معلمًا مؤدبًا حيثما توجه» {وأوصاني بالصلاة والزكاة} يعني وأمرني {وبرًا بوالدتي} فلا أعقها. قال ابن عباس حين قال: {وبرًا بوالدتي} قال: زكريا: الله أكبر! فأخذه فضمه إلى صدره، فعلموا أنه خلق من غير بشر {ولم يجعلني جبارًا شقيًا} يعني متعظمًا سفاكًا للدم. {والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًا} يقول الله: {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} يعني يشكون بقوله لليهود، ثم أمسك عيسى عن الكلام حتى بلغ مبلغ الناس.وأخرج ابن أبي شيبة. عن أبي حاتم، وأبو نعيم، عن مجاهد رضي الله عنه قال: قالت مريم: كنت إذا خلوت حدثني عيسى وكلمني وهو في بطني، وإذا كنت مع الناس سبح في بطني وكبر وأنا أسمع.وأخرج عبد الرزاق والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حين حملت وضعت.وأخرج ابن عساكر، عن الحسن رضي الله عنه قال: بلغني أن مريم حملت لسبع أو تسع ساعات، ووضعته من يومها.وأخرج ابن عساكر من طريق عكرمة رضي الله عنه، عن ابن عباس قال: وضعت مريم لثمانية أشهر، ولذلك لا يولد مولود لثمانية أشهر إلا مات لئلا تسب مريم بعيسى.وأخرج الحاكم، عن زيد العمى قال: ولد عيسى يوما عاشوراء.وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، عن نوف قال: كانت مريم عليها السلام فتاة بتولًا، وكان زكريا زوج أختها كفلها فكانت معه، فكان يدخل عليه يسلم عليها، فتقرب إليه فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، فدخل عليها زكريا مرة، فقربت إليه بعض ما كانت تقرب {قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب هنالك دعا زكريا ربه} [آل عمران: 38- 39] إلى قوله: {آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا زمرًا} [آل عمران: 42] {سويًا} صحيحًا. {فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم} كتب لهم {أن سبحوا بكرة وعشيًا} قال: فبينما هي جالسة في منزلها، إذا رجل قائم بين يديها قد هتك الحجب، فلما أن رأته قالت: {إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا} قال فلما ذكرت الرحمن فزع جبريل عليه السلام قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلامًا زكيًا} إلى قوله: {وكان أمرًا مقضيًا} فنفخ في جيبها جبريل، فحملت حتى إذا أثقلت وجعت ما يجع النساء، وكانت في بيت النبوة، فاستحيت وهربت حياء من قومها، فأخذت نحو المشرق، وأخذ قومها في طلبها، فجعلوا يسألون رأيتم فتاة كذا وكذا؟ فلا يخبرهم أحد. وأخذها {المخاض إلى جذع النخلة} فتساندت إلى النخلة قالت: {يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا} قال: حيضة من حيضة {فناداها من تحتها} قال: جبريل من أقصى الوادي {ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريًا} قال: جدولًا {وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيًا} فلما قال لها جبريل: اشتد ظهرها وطابت نفسها، فقطعت سرته ولفته في خرقة وحملته، فلقي قومها راعي بقر، وهم في طلبها.قالوا: يا راعي، هل رأيت فتاة كذا وكذا؟ قال: لا ولكن رأيت الليلة من بقري شيئًا لم أره منها قط فيما خلا! قال: رأيتها باتت سجدًا نحو هذا الوادي، فانطلقوا حيث وصف لهم، فلما رأتهم مريم جلست وجعلت ترضع عيسى، فجاؤوا حتى وقفوا عليها {فقالوا يا مريم لقد جئت شيئًا فريًا} قال: أمرًا عظيمًا {فأشارت إليه} أن كلموه، فعجبوا منها: قالوا: {كيف نكلم من كان في المهد صبيًا} {قال إني عبد الله آتاني الكتاب} والمهد حجرها، فلما قالوا ذلك: ترك عيسى ثديها واتكأ على يساره ثم تكلم {قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيًا} {وجعلني مباركًا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيًا وبرًا بوالدتي ولم يجعلني جبارًا شقيًا والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيًا} قال: واختلف الناس فيه.وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعمر بن الخطاب لم أستحب النصارى الحجب على مذابحهم؟ قال: إنما يستحب النصارى الحجب على مذابحهم ومناسكهم، لقول الله سبحانه وتعالى: {فاتخذت من دونهم حجابًا}.وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي صالح رضي الله عنه في قوله: {فأرسلنا إليها روحنا} قال: بعث الله إليها ملكًا فنفخ في جيبها، فدخل في الفرج.وأخرج ابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فأرسلنا إليها روحنا} قال: جبريل.وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر، عن سعيد بن جبير في قوله: {فأرسلنا إليها روحنا} الآية قال: نفخ جبريل في درعها، فبلغت حيث شاء الله.وأخرج ابن أبي حاتم، عن عطاء بن يسار: إن جبريل أتاها في صورة رجل فكشف الحجاب، فلما رأته تعوذت منه، فنفخ في جيب درعها فبلغت، فذكر ذلك في المدينة، فهجر زكريا وترك، وكان قبل ذلك يستفتى ويأتيه الناس، حتى إن كان ليسلم على الرجل فما يكلمه.وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات، عن أبي بن كعب في قوله: {فتمثل لها بشرًا سويًا} قال: تمثل لها روح عيسى في صورة بشر فحملته. قال: حملت الذي خاطبها، دخل في فيها.وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم، عن أبي وائل في قوله: {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا} قال: لقد علمت مريم أن التقي ذو نهية.وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيًا} قال: إنما خشيت أن يكون إنما يريدها عن نفسها. {قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلامًا زكيًا} زعموا أنه نفخ في جيب درعها وكمها.وأخرج عبد بن حميد، عن عاصم أنه قرأ {لأهب لك} مهموزة بالألف، وفي قراءة عبد الله {ليهب لك} بالياء.
|